الثلاثاء، 25 مارس 2014

سورة المجادلة ( 1 - 4 )


قال تعالى: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }

أولا: سبب النزول
عن عروة قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} رواه الحاكم في صحيحه.

ثانيا: معاني الكلمات

. تجادلك } : أي تراجعك في شأن زوجها {
. وتشتكي } : الشكوى إظهار البث وما انطوت عليه النفس من الهمّ والغم {
{ تَحَاوُرَكُمآ } : المحاورة المراجعة في الكلام.
{ يظاهرون } : الظهار مشتق من الظهر ، وهو قول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي.
. مُنكَراً } : المنكر من الأمر خلاف المعروف ، وكلّ ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرهه فهو منكر {
. وَزُوراً } : الزور : الكذب ، والباطل الواضح ، ومنه شهادة الزور {
{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } : حرّرته أي جعلته حراً لوجه الله .
 . يَتَمَآسَّا } : المسّ : مسكُ الشيء باليد, والتماس هنا : كناية عن الجماع }
. وَتِلْكَ حُدُودُ الله } يعني الحدود بين معصيته وطاعته ، فمعصيتُه الظهارُ ، وطاعتهُ الكفارة {

ثالثا: المعنى الإجمالي

إن الله تعالى سميع قريب ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، وهذه امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها ، حيث حرّمها على نفسه بلفظٍ كانت الجاهلية تستعمله ، أفيبقى هذا اللفظ محرماً في الإسلام؟!
جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجّهت بالدعاء إلى المولى جلّ وعلا ، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، تشكو إليه وحدتها ، فلا أهل لها ، ولا معيل ولا نصير ، وقد كبر سنّها ، وأولادُها صغارٌ ، إن أبقتهم عنده ضاعوا ، وإن ضمّتهم إليها جاعوا . . .
ورسولُ الله صلوات الله عليه لا يشرّع من قبل نفسه ، وإنما يتّبع الوحي الذي يأتيه من ربه ، ولم يوح إليه في الظهار بشيء ، ولذلك ما كان يجزم بالتحريم ، وإنما كان يقول : « ما أُرَاك إلا قد حَرُمتِ عليه » فكانت تجادله.
استجاب الله دعاء هذه المرأة الضعيفة الوحيدة ، ونزل الوحي ليقول للزوج : زوجُكَ التي ظاهرت منها ليست بأمك ، فأمك هي التي ولدتك حقيقة ، وحرّمت عليك بذلك ، فكيف تصف ما أباحه الله لك بما حرَّمه عليك؟ إنك تقول قولاً يمقته الشرع فضلاً عن كونه كذباً وزوراً ، ومع ذلك فإن الله عفوّ عمن أخطأ ثمّ تاب ، غفور لمن وقف عند حدود الشرع ، واتَّبع أمر الله الذي أنزله على نبيّه .
فمن ظاهر من زوجه وقال لها : أنتِ عليّ كظهر أمي ، ثمّ أراد أن ينقض قوله ، ويعود إلى ما أحلّه الله له من زوجه ، فالواجب عليه أن يحرّر عبداً مملوكاً قبل أن يمسّ زوجه ، هذا حكمُ مَنْ ظاهر ليتعظ به المؤمنون ، ويعلموا أن الله جلّ وعلا خبير بكل ما يعملونه ، فعليهم أن ينتهوا عما نهاهم عنه .
فمن لم يجد الرقبة بأن كان لا يملك ثمنها ، أو لا يجد عبداً يشتريه ويعتقه فليصم شهرين متتابعين من قبل أن يقرب زوجه ، فإذا كان ضعيفاً لا يقوى على الصوم ، أو مريضاً يُضعفه الصوم ، فعليه أن يطعم ستين مسكيناً ما يشبعهم ، ذلك هو حكم الله في الظهار ، لتؤمنوا بأن هذا منزّل من عند الله تعالى وتتبعوه ، وتقفوا عند حدود ما شرع لكم فلا تتعدوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.