الجمعة، 28 مارس 2014

سورة المجادلة ( 14 - 19 )


قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) }
أولا: سبب النزول:
قال السدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعيني شيطان. فدخل عبد الله بن نبتل، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعلت. فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما شتموه. فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
ثانيا: معاني الكلمات:
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } يعني: اليهود، الذين كان المنافقون يوالونهم في الباطن.
{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } أي: جعلوا أيمانهم وقاية لهم.
{ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ } أي: يظنون أن حلفهم يقيهم من عذاب الله تعالى.
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ } أي: استولى على قلوبهم الشيطان.
{ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ } يعني: أعوان الشيطان وجنوده وأتباعه.
ثالثا: المعنى الإجمالي:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى القوم الذين تَولَّوْا قومًا غضب الله عليهم، وهم المنافقون تولَّوا اليهود وناصحوهم. ما هؤلاء الذين تولَّوْا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم، منكم يعني: من أهل دينكم وملتكم، ولا منهم ولاهم من اليهود الذين غضب الله عليهم، وإنما وصفهم بذلك منكم جلّ ثناؤه لأنهم منافقون إذا لقوا اليهود، ويحلفون على الكذب، وذلك قولهم لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: نشهد إنك لرسول الله وهم كاذبون غير مصدّقين به، ولا مؤمنين به، أعدّ الله لهؤلاء المنافقين الذين تولَّوا اليهود عذابًا في الآخرة شديدًا( إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) في الدنيا بغشهم المسلمين، ونصحهم لأعدائهم من اليهود. جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وذلك أنهم إذا أطلع منهم على النفاق، حلفوا للمؤمنين بالله إنهم لمنهم, فصدّوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل الله فيهم، وذلك أنهم كفروا، وحكم الله وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل، أو أخذ الجزية، وفي عبدة الأوثان القتل، فالمنافقون يصدّون المؤمنين عن سبيل الله فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون، وإنهم منهم، فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم، ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الإيمان بالله. فلهم عذاب مذِلّ لهم في النار. لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم، فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم، فينصرونهم من الله إذا عاقبهم, هؤلاء الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم، وهم المنافقون أصحاب النار، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون، يقول: هم في النار ماكثون إلى غير النهاية. هؤلاء الذين ذكر أنهم أصحاب النار، يوم يبعثهم الله جميعًا من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم، فيحلفون له كما يحلفون لكم كاذبين مبطلين فيها. ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحقّ،( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) فيما يحلفون عليه. غلب عليهم الشيطان( فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ) يعني جنده وأتباعه, ألا إن جند الشيطان وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صَفْقَتِهِمْ.

سورة المجادلة (8 - 13 )


قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) }
أولا: سبب النزول:
كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة، وكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم، حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله-أو: بما يكره المؤمن-فإذا رأى المؤمن ذلك خَشيهم، فترك طريقه عليهم. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى، فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى، فأنزل الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ } .
عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. فقالت عائشة: وعليكم السام و[اللعنة] قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش". قلت: ألا تسمعهم يقولون: السام عليك؟ فقال رسول الله: "أو ما سمعت أقول وعليكم؟". فأنزل الله: { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ }.
قال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة، وفي المكان ضيق وذلك يوم الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان وأنت يا فلان. فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟ فو الله ما عدل بين هؤلاء: قوم أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم، أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم! فأنزل الله تعالى هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ }.
ثانيا: معاني الكلمات:
{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة.
{ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } أي: ليسوءهم.
{ تفسحوا في المجالس } أي: توسعوا.
{ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا } أي: انهضوا.
{ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ } أي: أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول.
ثالثا: المعنى الإجمالي:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ) من اليهود, ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى, ويتناجون بما حرّم الله عليهم من الفواحش والعدوان، وذلك خلاف أمر الله، ومعصية الرسول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى، الذين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهم، حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها، التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار، أنهم كانوا يقولون: السام عليك. ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود: هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيعجل عقوبته لنا على ذلك، يقول الله: حَسْب قائلي ذلك يا محمد جهنم، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة، فبئس المصير جهنم. يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله( إِذَا تَنَاجَيْتُمْ ) بينكم،( فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) ولكن بطاعة الله، وما يقرّبكم منه, وباتقائه بأداء ما كلَّفكم من فرائضه واجتناب معاصيه, وخافوا الله الذي إليه مصيركم، وعنده مجتمعكم في تضييع فرائضه، والتقدّم على معاصيه أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه. إنما المناجاة من الشيطان، وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن الله، يعني بقضاء الله وقدره. وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك، وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم. يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله( إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ )، يعني بقوله: تفسَّحوا: توسعوا، فوسعوا, يوسع الله منازلكم في الجنة, وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرّقوا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقوموا. يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به. والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه، والمسيء بالذي هو أهله، أو يعفو. يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إذا ناجيتم رسول الله، فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة, وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، خير لكم عند الله( وَأَطْهَرُ ) لقلوبكم من المآثم. فإن لم تجدوا ما تتصدّقون به أمام مناجاتكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فإن الله ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة، وغير مؤاخذكم بمناجاتكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قبل أن تقدّموا بين يدي نجواكم إياه صدقة. أشقّ عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صدقات الفاقة، فإذ لم تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، ورزقكم الله التوبة من ترككم ذلك، فأدّوا فرائض الله التي أوجبها عليكم، ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة، وأطيعوا الله ورسوله، فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه, والله ذو خبرة وعلم بأعمالكم، وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها.

الثلاثاء، 25 مارس 2014

سورة المجادلة ( 5 - 7 )


قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) }
أولا: معاني الكلمات:
{ يحادون الله ورسوله } أي: شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه.
{ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي: أهينوا ولعنوا وأخزوا، كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم.
{ وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي: واضحات لا يخالفها ولا يعاندها إلا كافر فاجر.
{ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } أي: ضبطه الله وحفظه عليهم، وهم قد نسوا ما كانوا عليه.
{ من نجوى } أي: من سر بين اثنين فأكثر.
ثانيا: المعنى الإجمالي:
إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه، فيجعلون حدودًا غير حدوده، أغيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الأمم الذين حادوا الله ورسوله، وخزُوا. وقد أنزلنا دلالات مفصلات، وعلامات محكمات تدل على حقائق حدود الله. ولجاحدي تلك الآيات البيِّنَات التي أنزلناها على رسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومنكريها عذاب يوم القيامة، مهين: يعني مذلّ في جهنم. وذلك( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ) من قبورهم لموقف القيامة،( فَيُنَبِّئُهُمْ ) الله بما عملوا، فعدّه عليهم، وأثبته وحفظه، ونسيه عاملوه. ( وَاللَّهُ ) جل ثناؤه( عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) عملوه، وغير ذلك من أمر خلقه شاهد يعلمه ويحيط به، فلا يعزب عنه شيء منه. ثم يقول الله تعالى لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر يا محمد بعين قبلك فترى( أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) من شيء، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره؛ فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جلّ ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرًا بينهم، فقال:( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ ) من خلقه،( إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ )، يسمع سرّهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم, ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك, ولا أقل من ثلاثة( وَلا أَكْثَرَ ) من خمسة،( إِلا هُوَ مَعَهُمْ ) إذا تناجوا،( أَيْنَمَا كَانُوا ) في أيّ موضع ومكان كانوا. ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل، مما يحبه ويسخطه يوم القيامة, إن الله بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم.



سورة المجادلة ( 1 - 4 )


قال تعالى: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }

أولا: سبب النزول
عن عروة قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} رواه الحاكم في صحيحه.

ثانيا: معاني الكلمات

. تجادلك } : أي تراجعك في شأن زوجها {
. وتشتكي } : الشكوى إظهار البث وما انطوت عليه النفس من الهمّ والغم {
{ تَحَاوُرَكُمآ } : المحاورة المراجعة في الكلام.
{ يظاهرون } : الظهار مشتق من الظهر ، وهو قول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي.
. مُنكَراً } : المنكر من الأمر خلاف المعروف ، وكلّ ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرهه فهو منكر {
. وَزُوراً } : الزور : الكذب ، والباطل الواضح ، ومنه شهادة الزور {
{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } : حرّرته أي جعلته حراً لوجه الله .
 . يَتَمَآسَّا } : المسّ : مسكُ الشيء باليد, والتماس هنا : كناية عن الجماع }
. وَتِلْكَ حُدُودُ الله } يعني الحدود بين معصيته وطاعته ، فمعصيتُه الظهارُ ، وطاعتهُ الكفارة {

ثالثا: المعنى الإجمالي

إن الله تعالى سميع قريب ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، وهذه امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها ، حيث حرّمها على نفسه بلفظٍ كانت الجاهلية تستعمله ، أفيبقى هذا اللفظ محرماً في الإسلام؟!
جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجّهت بالدعاء إلى المولى جلّ وعلا ، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، تشكو إليه وحدتها ، فلا أهل لها ، ولا معيل ولا نصير ، وقد كبر سنّها ، وأولادُها صغارٌ ، إن أبقتهم عنده ضاعوا ، وإن ضمّتهم إليها جاعوا . . .
ورسولُ الله صلوات الله عليه لا يشرّع من قبل نفسه ، وإنما يتّبع الوحي الذي يأتيه من ربه ، ولم يوح إليه في الظهار بشيء ، ولذلك ما كان يجزم بالتحريم ، وإنما كان يقول : « ما أُرَاك إلا قد حَرُمتِ عليه » فكانت تجادله.
استجاب الله دعاء هذه المرأة الضعيفة الوحيدة ، ونزل الوحي ليقول للزوج : زوجُكَ التي ظاهرت منها ليست بأمك ، فأمك هي التي ولدتك حقيقة ، وحرّمت عليك بذلك ، فكيف تصف ما أباحه الله لك بما حرَّمه عليك؟ إنك تقول قولاً يمقته الشرع فضلاً عن كونه كذباً وزوراً ، ومع ذلك فإن الله عفوّ عمن أخطأ ثمّ تاب ، غفور لمن وقف عند حدود الشرع ، واتَّبع أمر الله الذي أنزله على نبيّه .
فمن ظاهر من زوجه وقال لها : أنتِ عليّ كظهر أمي ، ثمّ أراد أن ينقض قوله ، ويعود إلى ما أحلّه الله له من زوجه ، فالواجب عليه أن يحرّر عبداً مملوكاً قبل أن يمسّ زوجه ، هذا حكمُ مَنْ ظاهر ليتعظ به المؤمنون ، ويعلموا أن الله جلّ وعلا خبير بكل ما يعملونه ، فعليهم أن ينتهوا عما نهاهم عنه .
فمن لم يجد الرقبة بأن كان لا يملك ثمنها ، أو لا يجد عبداً يشتريه ويعتقه فليصم شهرين متتابعين من قبل أن يقرب زوجه ، فإذا كان ضعيفاً لا يقوى على الصوم ، أو مريضاً يُضعفه الصوم ، فعليه أن يطعم ستين مسكيناً ما يشبعهم ، ذلك هو حكم الله في الظهار ، لتؤمنوا بأن هذا منزّل من عند الله تعالى وتتبعوه ، وتقفوا عند حدود ما شرع لكم فلا تتعدوها.

مقدمة عن سورة المجادلة


أولا: اسم السورة:
سميت السورة بسورة (المجادلة) بكسر الدال وفتحها, وتسمى بسورة (قد سمع), وتسمى (بسورة الظهار).
ثانيا: عدد آياتها:
عدد آيات سورة المجادلة  اثنتان وعشرون آية.
ثالثا: مكان نزولها:
قال ابن عطية سورة المجادلة نزلت بالمدينة فهي مدنية في قول الجميع.
إلا رواية عن عطاء: أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي، وقال الكلبي: نزل جميعها بالمدينة غير قوله تعالى: (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) نزلت بمكة.

الثلاثاء، 18 مارس 2014

حكمة

يقول أحد السلف : إذا أردت أن تكلم الله فعليك بالصلاة, وإذا أردت أن يكلمك الله فعليك بقراءة القرآن.

الاثنين، 17 مارس 2014

حقيقة التولي عن القرآن


 


لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين  

التولي عن القرآن هل هو عدم الإيمان فقط، أم هو عدم القراءة والتدبر فيه؟
التولي عن القرآن عام يشمل التولي عن قراءته، وعن العمل به، وعن تصديق أخباره؛ لأنه عام، لكن التولي بعضه أشد من بعض، فمن تولى عنه نهائياً فهذا مرتد، ومن تولى عنه بمعنى: أنه لم يثابر على قراءته فليس بمرتد، ثم إن التولي بالكلية عن قراءته لا يمكن؛ لأنه سوف يقرأ في صلاته بأم القرآن وبما تيسر.

السبت، 15 مارس 2014

أهلا وسهلا بكم في مدونة 
الأستاذ: أحمد كرامه باعيسى
تخصص: علوم قرآن
مدرس بمدارس سالم بن محفوظ الأهلية
الهجرين-خريخر